مذكراتي الشخصية 3-3

 

آخر مقالة في 05/08/2022  بعنوان زيارة خاطفة للتاريخ والجغرافية

Back toimage001

مقالات سابقة 

ديمقراطية الغباء

 

أعظم ما في التاريخ هو وجودي أنا، هذا اقله ما كنت اعتقده. إلا أن الرومان الأولين اعتمدوا ديمقراطية اكثر عملية وان اختل العدل فيها، ذلك بالانتخاب من علية القوم. لاحقا ارتقى العامة بغوغائها ليتسنموا منصة اعرض متسلطين على التاريخ بأدوات السلطة لتنهار الأمة الرومانية جغرافيا إلى تنوع وتباعد. "علينا أن نتأكد بان الديمقراطية هي ما ستؤول إليه الأنظمة في المنطقة"، أو بهذا المعنى سلم بريمر السلطة للأوباش في العراق بترصد ملقيا اللوم في تردي التجربة على مثقفي العراق المنكفئين بالضرورة لانعدام أدوات وجودهم بالأحرى.

لست القي باللائمة على الأمريكان، إذ أن الجزء الكبير من الخطيئة هو ترك المبادرة للآخرين. بينما يتشدق مدعوا وقوع الظلم شيعة وسنة وخلافهم في السلطة بسيادتهم الرشيدة للأمور لتلتف حولهم غوغاء صنعت منهم أبطالا من ورق تسمو فوق جثث من رفعها بإفرازات وتداعيات لتأجيج خلافات جديدة لا تنتهي.

لقد استطعت بعد استقراري في المغرب بداية التسعينيات أن اكتشف بان ما تلقيته من تعليم في العراق كان مفيدا لي في تشخيص ما حولي. اقصد ما كان مملا بالنسبة لي يوما. إذ اذكر تكرار ذات السياق في وصف سعي الاستعمار في تأصيله للجهل والمرض والجوع. لم يبتعد الاستعمار بعيدا، فقد جاءنا بأدوات بقاء حضارته وهيمنته. علامات تجارية في كل مكان، غطت حتى جدران غرف معيشتنا، نسعى لها وقد أضحت صميمنا. بل الأدهى الدفاع عنها والادعاء بانتمائها لنا بغية الترفع عن حضيض مآلنا.

أرسلت الحكومة العراقية ألوفا بل عشرات الألوف من الطلبة العراقيين لتنهل من علوم جامعات الغرب، إلا أن الأدهى أنهم بعد عودتهم الظافرة للوطن لم يضيفوا إليه شيئا. يعود الدكتور حسين بلغته الإنكليزية الركيكة من الولايات المتحدة الأمريكية بشهادة الاقتصاد العالية ليعين مديرا في أحد المؤسسات. هو الآن خبير قد يُرقى لوكيل وزارة قريبا خصوصا وقد اعتمد قران حزب الدعوة "اقتصادنا" في طروحاته وبعض مما تعلمه من خبراء التكرار في منظمات الأمم المتحدة في بغداد. كذلك فعلت الدكتورة سميرة وقد اختبأت خلف حجابها المثقل بأورام ممارسات التدين لتفرض واقعا وجب الإذعان له، إذ يقف من ورائها حزب عتيد. بينما يجيء وزير الإسكان الأسبق من بريطانيا بعد أن أنهى دراسته مباشرة لينهال بالنقد على من سبقه والتبرير لأسباب ضرورة حضوره لتنتهي دورته بخواء أجوف. بروفيسور آخر، يعتقد إن العراق يطوف على بحيرة من النفط مبررا النجاح بتعظيم الإنتاج. لا أحاول من مقاربتي هذه تقليل أهمية جدلية نشوء طبقة جديدة تحاول انتزاع السلطة من أخرى ترقت هي الأخرى من العدم. إلا أن المؤلم هنا هو البناء على عوج.

الأمر المزعج هو إصرار العراقيين على عدم اعترافهم بكل هذا التدليس. بل التملص من حقيقة كونهم جهلة، ملولين لا يألوا جهدا حتى لمطالعة صور تعرض عليهم. لا غرو فشعب العراق وان كان من الصعب وصفه كذلك منكوب بهشاشة واقعه الطارئ على هذه الأرض وقد تمسك بها لخصب واديه وسعة مرابعه. تكرر الأمر مرارا فاستعير من التاريخ في البابليين الطارئين وقد محقوا حضارة من سبقهم ليُستباحوا من قبل الآشوريين الطارئين لتعود أخيرا عشتار لموطنها في الجنوب بعد تدمير لبلاد آشور تأصيلا لانتماء السلطة لا للوطن. ربما يكون حريُ بنا تقبل الساسانيين حكاما لتكون بغداد عاصمة لمُلك الفرس، فاقله مرجعا يُتكأ عليه.

 

13/03/2015

ديمقراطية الكهنة

 

درس متأخر آخر تعلمته من زيارتي الأخيرة بمعية الصحافة الفرنسية لتكريت المدمرة. فقد ارتفعت رايات طائفية فوق سقوف تسطحت فاستوت على جدران دورها بعد أن تناولتها رعاع حشد المرجعية في غياب سكانها من حرق بعد عبث، مستثمرة القبول نفاقا بغارات التحالف الدولي الجوية على مجاميع داعش لتملأ الفراغ بعد انسحاب عناصرها، وقد انتشرت لافتات بعناوين مختلفة لمجاميع مسلحة ملتحية ترفع الحسين محررا، راية فوق المقهورين. أمر في غاية الخطورة، إذ تعتقد عناصر المليشيات الشيعية بأنها بصدد مواجهة عدو من طائفة السنة وجب استئصال وجوده عقائديا والأخيرة بدورها صارت تتخندق، عداء لها ديدنُ. لم اعد أؤمن بجدية وفرص المصالحة والتعايش. فالعامري والمالكي والصغير وعداهم كثر لايرون لهم مستقبلا بدون مخالفة و رفض لوجود الآخر. كنت اعتقد إن لحيدر العبادي وسليم الجبوري فرصة لرأب صدع استطال واستعرض. إلا أن الأمر يبدو اكثر اقترابا لتقسيم قد يجر البلاد لمزيد من الآلام والأحقاد. كان الجبوري قد صرح للإعلام مؤخرا بان على السنة التوقف عن أحلام السلطة وامتثال الشيعة لحقيقة عدم تفوقهم ومبدأ أكثريتهم وتوضيح الكُرد لمساهمتهم في صنع العراق، شروطا للشروع قدما. إلا أن أصوات المدافع تصم الآذان. بينما عاد العبادي من مرجعيته خائبا، إذ لم تصغ إليه فوجودها بالتدليس على المحك.

لقد استطارت الكراهية لتبلغ مآلا حتى شمل جيل ما قبل 2003 وكأنني لم أُدرك. فعبد الأمير، أحد عناصر كتائب جند الإمام، وهو يقودنا بسيارته الحكومية الرباعية الدفع عائدين لبغداد بعد يوم طويل بادرني قائلا: "قصورهم كبيرة وخيرهم عظيم، إلا أنني أرى انهم لا يستحقونها. لا أرى سببا يمنعني من الإجهاز على ما تبقى، هم لا يستحقون العيش حتى. فبينما لا يتوافر لي، يتنعم الدواعش بكل هذا". لقد نسى عبد الأمير هذا، بان ثقافة شيعته هي ما أغرقته في أوهام تبجيل ونكران للذات وفدائها تعظيما لأئمته. ففي النجف قص علي كبير متعهدي أحد مكاتب دفن اكبر مقبرة في العالم قبل يومين بان لهذه الأرض مزية تبعد الكرب والألم والإحتصار قبل لقاء الرب بعد الموت. فالأرض هنا أخف وطأة على عظام الميت، لذا فالتركيز سينصب في التهيئة للموت بينما يتنعم أهل السنة أو ربما كان داعش، بالبيوت الفارهة والسيارات الحديثة والخير الوفير. حاولت أن أوصل رسالتي لأمير بان علينا أن نتقبل الآخرين بأخطائهم درء للاقتتال. بل علينا القبول به ودمجه تحييدا لمبادراته المتلاحقة في الكر. إلا انه لم يكن يوافقني إلا بتقية وحذر، فأنا بالتأكيد لست من شيعته.  

ربما سيكون لزاما علينا المرور بطاعون مُهلك لينهي كل هذه الآلام، نعم فقد فعل خيرا بإنهائه قرن ونيف من حرب طائفية كاثوليكية بروتستانتية لم تبق زرعا ولا ضرعا بعد أن حصدت ملايين البشر في أوربا خلال القرنين السادس والسابع عشر.

 

15/04/2015 

الانقلاب الشيعي

 

          انتشرت لوحات ضخمة صَورت أمير ميليشيا بدر، هادي العامري في شوارع بغداد مؤخرا لتروج أكذوبة ارتقاءه من حضيض لسمو وضرورة. فقائد الحشد الطائفي المقيت هذا تحول بالتدريج إلى أيقونة العقيدة والنصر بعد انكفاء محازبيه قبل منافسيه ونكوصهم. لا أستطيع وصف الرجل بأكثر من تافه فهو لا يرنو لتصويره بالأفاق حتى. انه ببساطة رجل عدائي مُستفز تثيره رائحة الدم والدخان أي كان مصدرها. لا أخاله كان يتخيل مقدار التشريف الذي آل إليه اليوم. فبتطاوله على المنطق والعقل وفرضه لمعادلات ضحلة غير قابلة للتوازن، كسب تقدير أسياده في إيران ولاية الفقيه للمزيد من المشاغلة ضمن حرب مقتوحة على كافة الجبهات متشدقا بالوطنية والعقيدة الشيعية وأي طارئ آخر. مبررا الاستعداء المليء بالآثام بتدليس رخيص يصعب استيعابه. إلا أن الغوغاء ما فتئت تتهاون لتقبله، فأما التمترس خلفه خشية من استهداف المقابل وأما القبول به عله لا يُستهدف. ليس مهما ما سيكتب عنه التاريخ فقد يوصف بالمجرم الآثم أو الشيطان الملعون أو أن يبرر له لما ستؤول إليه الاحكام من سطوة ومكنة. إلا أن الحاضر لن ينقل عنه سوءا، إذ تتعامل معه كل العناصر بإيجابية، ليس إلا كونه واقعا شاخصا. رغم مخاطر السقوط التي منها لا مناص إن زل في موضع، يبقى تعامل الهوجاء لهذه الصورة محاباة للواقع اكثر من إدراكه لنتائجه. والولايات المتحدة الأمريكية قبل غيرها تتعامل معه ندا ليس كونه ذو مُثل ومقدرة، ولكن لامتلاكه كل هذه الجرأة أو المُبادءة بالأحرى.           بحضوره ومن وراءه حشد مغيب فرض الحاضر أوزاره بتغيير ممارسة الشيعة في العراق بقبول مبدأ ولاية الفقيه حتى. ذاك الذي خُيل عدم اعتماده من قبل مرجعية النجف. إذ أُفترضت شروطه غير متتحققة حتى ظهور المهدي المنتظر فحسب. جلي تصور ما يحصل اليوم، فقد نسفت أركان مدرسة النجف وها هي صور خامنئي في كل مكان فالمال والتهديد هو المحرك وليس العقيدة والعتيد. بل واعظم فالطائفية لم تبق للأمل فسحة. فنازحوا الأنبار عادوا منكفئين إلى ديارهم بعد أن رفضت حكومة بغداد استقبالهم وان اجتاحت دورهم قبل مدنهم فكر القاعدة المتطرف. كيف لا، ولمن عساهم يلتجئون؟

          يجب أن لا يفوت عن أحدنا أن نكون بمنأى من اقتراف لخطايا. اعترف بأنني شخصيا قد عبرت بمواقف قد يندى لها الجبين. فعندما كنت ما زلت غضا اقترفت من الرذيلة ما قد يمنعني تبوء وضعي الاجتماعي حتى. إلا أنني لن أكون محل جدل لأنني لست أتبارى في نيل تشريف الريادة وقيادة التاريخ. بينما لم ينصف التاريخ الكثير منهم، إذ لم يسعفهم بعد سقوط مدوي لفعل قد لا يكون حريا بهذا المال.

          أمر يجب التنبه اليه، فالحاكم وهو يتناسى ما قبله إنما يتستر على ما اقترفه ولهذا وجب استثمار المزيد من التدليس والتزوير. إلا أنني أعود وارمي باللائمة على الغوغاء فبدونها ستتوقف العجلة ويختل الميزان. لذا وجب على المالكي والعامري ومشعان وغيرهم آخرين المسك بشدة على زمام الأمور عساها تحافظ على واقع الجهل والسفاهة. قد يُبرر تغيير جلد الأفعى بحياة جديدة إلا أن التغيير لدى الحكام الشيعة في العراق صار يطول حياة اتباعهم ذاتها. أعود فأقول، قد يكون مبررا بعد انفتاح تهديد اعظم لم يتسنى لهم التعرف عليه بعد وان سُلم اعترافهم بصناعته.  

 

03/06/2015

كنا هنا

 

         على بعد 35 كلم جنوب طنجة، من ميناء صيدها على المحيط الأطلسي، مدينة اصيلة الوادعة وبعيدا عن الشرق الملعون بالغضب والهيجان، وَثَق كلُ من هايدي وشيروان أدائهما الموسيقي لشارل بيريوت تلبية لتقليد اضحى ديدنهما، عل بعضه يثير اهتماما من قبل سكانها المحليين او الأسماك والقواقع بالأحرى. لقد كان جُل الاهتمام منصبا على البحث عن متنفس.

          علي ان اعترف بان الأداء او توثيقه لم يكن موضوع المشروع، بل من الترف الادعاء او التبرير لكماله. ستكون الرسالة بلا رياء، الصراخ لإثبات ما هو مُثبتا، لقد كنا هنا!

          انطلقنا مستخدمين حافلة النقل العمومي صباح السابع من اب الملبد بالرطوبة الخانقة من طنجة صوب اصيلة على طريقها الساحلي ترافقنا جموع المصطافين الراغبين في شواطئها النائية بعيدا عن شواطئ طنجة المكتظة. تهاوينا في مقاعدنا مترنحين مستهلكين ما بقي من نسمات البحر المختلطة برائحة عرق المسافرين وضجيجهم. لن يكون من حقنا التذمر حياله، اذ تختفي مظاهر التكلف والاستمتاع بالحرية ربما حتى في طريقة الحديث والجلوس.

          جدير بالذكر بان اصيلة التي صادف أداء هايدي وشيروان موسمها الثقافي لهذه السنة كانت قد اشرعت أبوابها لرسامي الحائط والتشكيليين والمفكرين وسواهم من مروجي السلام وديمومته، علها تكتفي بصخب المحيط في تلاطم امواجه من على كاسرات مينائها الكونكريتية.

          رغم جمعهم الجنسية العراقية والمغربية في آن، لا زال الاولاد في حيرة من امرهم. ففقدانهم لادوات تواصلهم صار يؤجج احساسهم المفرط بالغربة مبررا عبثية فعلهم.

-          لمشاهدة مقطع الفيديو: http://youtu.be/gZz3M3SMR5E

-          رابط المقال على موقع ميدل ايست اونلاين الاليكتروني:  http://middle-east-online.com/?id=206058

 

طنجة 07/08/2015 

التصالح بعيدا عن الاوثان والمعابد، شعارا

 

بقلوب محطمة ورؤوس خاسئة وحسرات خافتة غادر متظاهرو ساحة التحرير مبكرا هذا اليوم يملؤهم غضب مكبوت وامل محبوط. محاطين بسلاسل بشرية منسقة بشكل عجيب ومدججة بهراوات تفصلها عنهم ببريقها المستفز، اسلاك شائكة تحت اشعة الشمس وتحاصرها من جهة أخرى اليات تفريق المتظاهرين ومركبات أجهزة الامن بعناصرها المسلحة وهي تلاحق بنظراتها مستهزئة بهم قولا وفعلا. يخال لاحدهم عند الولوج لساحة التحرير في بغداد لأول وهله ان جللا سيقع. الا ان الإحساس بالخيبة والخيانة يلي فيهم عوضا. اذ لم يقدم بعد اقل من شهرين من بدأ التظاهرات سوى نفر قليل، محاولا استجماع شيء من شجاعة لعبور ما تبقى من ضوء النهار والتسلل خارج الساحة لإعادة النظر في العودة اليها في الجمعة القادمة.

حيث قَطَعت على بعد ساعة على الاقدام، عناصر الامن والجيش وأجهزة المخابرات والميليشيات ورجال الدين كل الطرق والجسور المؤدية لساحة التحرير، لتستحيل فرصة الوصول اليها. بل وانتشرت في الطريق اليها نماذج من كل تلك الأجهزة في تهديد سافر. كما وانتشرت على الطريق بقايا سوق الجمعة وازبالهُ وبركهُ الصغيرة يكافحها بملل نفر قليل من عمال النظافة، كانت هي بسخرية رجاءً وتخفيفا من عبء مهمة حضور تلك التظاهرات.

أنيت بنفسي لامتنع عن نشر أي مشاركة على صفحتي في الفيس بوك عن بُعد، كيلا افسد صورة التظاهرات تحت نصب الحرية في بغداد. الا ان خيبتي كانت عظيمة هذا اليوم بعد مشاركتي أخيرا. لقد افلح العبادي في نزع فتيل فورة الغضب وتمكن أخيرا الاجهاز على فلولها بينما كان شعاري الذي رفعته كنعيق في خلاء وسكون! خذ اعلامي فقد خدعت مرة أخرى بشعب لاحول له ولاقوه.

 

11/09/2015

بابل تنتفض أخيرا

 

بينما لم يعد للفنون والآداب تأثير في كبح تراجيديا العراق المستمرة، يستمر مسلسل التفجيرات ويسقط المزيد من الفقراء مستهدفا كادحي مدينة الثورة المغرر بهم من قبل الصدر الذي أعطى للمدينة اسمها الجديد بعد عام 2003 وقد ساهم في إزالة سقوف وجدران الدولة مشرعة لكل آسن ومعمم. دور لا يستبعد فيه للمؤامرة نصيب، فقد انزوى وانكفأ الصدر هذا تحت أحد القباب بعد أن ورط اتباعه مذعنين لهرج وفوضى في مواجهة مفتوحة ضد أقزام فرس إيران والى جحيم مُستعر. لا ادري لم يصعب على المغرر بهم فهم ما يتكرر. إذ هم من انتخب أولئك على دسوت السلطة ورفعتها أولا. بل وكانوا من اشد المدافعين عنهم حتى الموت. لقد امتلأت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بآلامهم وتأوهاتهم، إذ كان الرد على نكوصهم بعد انصياعهم كخراف قاسيا. بل وكانت تلبيتهم لنداء المقدس مقتدى ادعى من  تلبية حاجاتهم وضرورات وجودهم حتى. لم يكن لجارة العراق المتشيعة هينا تقبل هذا التحدي! أن يتظاهر بعض الملحدين وشُذاذ الآفاق ممن يدعون أنفسهم باليساريين أو العلمانيين والمدنيين أمر يمكن التغاضي عنه. سيمكن عندها للقابضين على السلطة وصفهم بالبعثيين وان لم يعوا حتى ما حصل قبل ثلاث عشر سنوات. نعم فحشد مئات الألوف من الغوغاء المعدمين، خفاقين حول راية العراق أمر لن يمكن التساهل بصدده.

لا يختلف الألداء الآخرين في أنانيتهم بل وتجردهم من ابسط معاني الوطنية أو الانتماء. فمنهم الأكراد في تعاليهم مرددين نشيد العظمة مستبدين بالحكم وليرتموا في أحضان الشيطان. ومنهم السنة العرب، أولئك من لازال يحلم بالسلطة المفقودة مبررا ما حصل بالمؤامرة الجائرة. بينما يتأصل صراع الاخوة الشيعة فيما بينهم علهم يشغلون قطعانهم عن همومها نحو قضية لا طائل منها. ولنشر المزيد من الشعارات والرايات في كل مكان، لا تحمل سوى معاني التدليس والمبالغة والتهديد ولرفع وتيرة أعلام الحقد واللؤم والانتقام علها توصل رسالتين، أولهما للمستضعفين وأخرى للجهلة والمنتشين. 

إلا أنني يجب أن اعترف وأتفائل مرة أخرى. إذ كان لوقع اجتياح المنطقة الخضراء مرتين دلالة اجدر من أن تكون عفوية، فقد تكون الجياع قد لامست أخيرا السبيل لخلاصها أو اقله رفع المحظور من عقولهم نحو فضاء جديد للتمرد على الأصول.  

نعم فبابل لن تسقط مرتين. أحفاد نبوخذ نصر الذي قضوا تحت ركام مجدهم كانوا قد دفعوا بمقدراتهم قبل كياناتهم ثمنا لإستقواء جدهم  بالميديين من الشرق على حاضرات ثقافاتهم ألهتهم وإمتداداتها إلى الشمال في آشور. لن تسقط بابل مرتين بعد ثورة المناذرة بذي قار على الساسانيين الفرس. بل ولن تسقط بابل مرتين بعد انزواء الصدر وفساد مارقين ادعوا نسبهم لمحمد. والآن، أليس حريا بمن قُتل أن يُبعث من تحت القبور لإفشاء المستور؟

 

24/05/2016

في الانتخابات القادمة، نحن شعب لا يستحي

 

لست في معرض الاختلاف في مفهوم احقية طريقة المعالجة من عدمه في موضوع طُرح من خلال برنامج تلفزيوني في قناة فضائية عراقية لن اخوض في حيثياته كي لا أفقد أهمية ما اصبو الوصول اليه. فقد انبرى مقدم البرنامج التفاعلي بالشتيمة والاستنكار على تعليق ارسله احدهم ردا على موضوع قد لا يكون متصلا. اثارني رد المقدم فقد كان حريا به ان لا يتطرق للرد ان كان يعتقد عدم اتصاله بموضوع الحلقة، خصوصا ولا يبدو ان للرد أي إضافة لما يروم المقدم عرضه او توجيهه. دعني لا ابتعد عن الموضوع لأعود لتعليق المشاهد لاحقا.

اعتقد رغم عدم القبول بمفهوم الخصوصية محتملا، توفرها في شعب عن غيره، في واقع الشعب العراقي الذي يقل فيه احترامه لذاته وتنكرا لتاريخه وانجازات اجداده. نعم فللجغرافية دورا ولا غرو. بل ولشمس العراق الساطعة وفيضان وطمى مياه الرافدين المهددة بالتلاشي اثر اكبر وضوحا في تشكيل الشخصية العراقية التي انكفأت تحتمي بالنهر حتى خلال ثورته الهوجاء والتي احب فيها ترجمتها تعبيرا عن هيامه وغيرته. مثل هذه التناقضات صنعت من الشخصية العراقية عصية، منافقة، مقللة للمخاطر، تبتعد عن المحافظة والتقليد، متلونة وهازئة. والا فكيف لنا ان نبرر تكرار طمس وتدمير اثار حضارات التي سبقت اخراها؟ الادهى هي المحاولات المتكررة لمحوها من صحائف التاريخ لتبرر للحاكم حاضره. دعونا نقرا مسلة حمورابي بصورة متشائمة، محاولة لتبرير حكمه بالأحرى. دعونا نستذكر دعوة نبوخذ نصر لأعدائه نصرة ضد امتداد إقليم دولته في اشور. لنذكر ذي قار المناذرة في تجربة تصديهم للفرس الساسانيين. تتشابه الأمثلة بل وتكرر بصورة مذهلة في بلاد الرافدين، اجزم فيها خصوصية الاقوام التي مرت واقامت في واديها.

ربما فرضت الديمقراطية على الشعب العراقي في غفلة، الا ان التاريخ سيذكر مرة أخرى على مضض ممارسته لحقه في اختياره لقادته في فرصته الأخيرة في الثاني عشر من أيار/ مايو القادم. لا اود ان أكون متشائما الا انني لا زلت اعتقد بان الأكثرية ما فتئت تختبئ خلف عناوينها الأصغر رغم إعلانها مصالحتها التي لم تترجم في تعليق مشاهد البرنامج ذاك بعد اكثر من خمس عشر سنة من تطبيق الديموقراطية.

نعم فلست متفائلا رغم ايجابيتي ببساطة لأنني ما زلت اعتقد باننا ربما وصفنا بالأحرى، شعب الله المختار في ابتلاءهم في تشكيل مصائرهم.

 

01/03/2018

في العنف والغضب

  

            أمر لا اذكر ملامسته أو الاستشعار به من قبل، فقد لحظت صباح هذا اليوم أخيرا مرافقة فراشة صغيرة بيضاء لي. إذ تنقلت جيئة وذهابا من حولي بين أكوام ملونة من نفايات وبقايا أطعمة وأكياس نايلون ممزقة، فاحت منها روائح اختلطت وتناثرت على جانبي ما تبقى من طريق معبدة بعد أن تجاوزت دورا متلاصقة لساكنة طارئين. لم الحظ الفراشات تتقافز من حولي عندما كنت شابا أو حتى في طفولتي. إذ كنت املك من الطاقة ما يحجب حواسي. كنت انظر إلى السماء أتوق للطيران والهروب، لا انتقل بين الزهور لأعود.

            إلا أنني أعود اليوم كما فعل والدي وربما كما ألف جدي لأصل لذات المآل. لقد اخذ مني الغضب يوما حِلمي، بل وألفت الثورة والتمرد لفترة أطول. كنت محظوظا، فلم يطالني عقاب في اغلب المرات رغم ثبوري الأعنف. ربما حري بي الانتظار قليلا، إذ لا زلت لا أتجرأ في المضي بسرد مغامراتي. إلا أنني اعترف اليوم بأن ما يمنعني للتنفيس عنه بالعنف ربما يتأتى من تحفظي وخشيتي على قافلتي المتهادية. يذكرني رامي ذو السبعة سنوات بنفسي، فهو يعتقد الكون حوله في فلك يدور. ذاته وثقته هي ما يحد العالم وعلى الآخرين الإذعان، بل ويتوهم بان على الآخرين الاستماع إليه. هو لا يذعن للتهديد وان عوقب، فهو مظلوم في النهاية. حجمه الصغير وقلة حيلته تخونانه دائما. سيكون رامي قائدا على كل حال. السؤال هو، عن أي قائد نتكلم؟

            لست ابرر لرامي، فهو لا زال في السابعة من عمره. الا انه سيحتاج الى الكثير من الحظ والاهتمام والا فمآله على شاكلة قادتنا اليوم وان كانوا يكبرونه بنصف قرن. كثير منهم مازال يتوهم بأحقية ادواته مبررا كل العنف وسائل.

 

15/03/2018

اذيقك مايؤلم، اليوم التاسع

 

أستنفذت الحكومة ادواتها في قمع تظاهرات تجددت على نحو مريب قد يكون حري محركها استنهاضا لمطالب شباب محافظات الجنوب المهمشة، قبل التورط في تدخل القوى الاقليمية والمخابرات العالمية. لست ابحث محاولا تفسير الامور بمؤامرة، الا ان معطيات التغيير في نتائج انتخابات مايس/مايو 2018 وما تلاها من احداث متواترة وتورط شخصيات خاسرة باجراءات فاقت في ابعادها امكانية احتواء تجسيدها او تصديقها حتى، بل تحريفا للحقيقة وتدليسا للوقائع. الادهى هو اتهام المتظاهرين بالمخربين ونعتهم بالمندسين والتعتيم والتشويش على اعلامهم باجراءات تضييق فاقت الاحتمال والادعاء بدعم مطالبهم بالتهديد والوعيد. 

لقد كانت لتوصيات البنك الدولي الملزمة في تحديد ومن ثم تقليص النفقات العامة وزيادة الضرائب وتكاليف الخدمات وما رافقها من فساد سافروسوء ادارة وجهل تام وابتعادا عن المصارحة والشفافية الاثر الكبير في تجددها واستفحالها لترقى ثورة بدات تطيح بقدسية الاسلاميين القادمين من الشرق، رموزهم وميليشياتهم. بل وألتهبت مطالب الغوغاء بعد وعود واهية وتدليس فاضح قد تؤدي اخيرا بسقوط اصنام وعملاء ايران في العراق. آثر العبادي معالجة الثائرين بالقوة بعد التهديد متنصلا من وعود كان قطعها بعد مخاضات انتخابات عام 2014 ابان توليه رئاسة مجلس الوزراء. تعود بلا شك اسبابها لتكهنه حقيقة ما ستؤول اليها الامور. لا اعتقد ان العبادي بدأ يدرك من خلال دراسة ما حوله لما سيلي، الا ان المؤكد هنا ادراكه المطلق من خلال تطبيقه لما يملى عليه على ضوء معلومات استقيت من مصادر يثق هو بها. كما ولا يخفى ان يكون مدفوعا بهذه الظنون ليوصل الامور باتجاه رسمته دوائر الدراسات والمخابرات الدولية لتنهي حقبة سوداء اخرى من تاريخ ملوث بالقيء والدماء.  بينما انزوى مدعي سيد الوطنية والاستقامة، الصدر مبتعدا، خشية خسارته لمكتسباته السياسية القلقة الاخيرة وتتطير بعض قادة المليشيات الاخرى مؤيدة علها تستثمر فن تاييدها خطط اعتلاء موجة جديدة بينما تتصدى اخرى اختلافا بقصد ادعاء القدرة والتحدي. اي فوضى واي حيرة.

لست اتحول لاغدو متفائلا الا انني اعترف بانني اتلمس جذوة امل قد تعود بالامور لنصابها اخيرا. فالعراقي في الجنوب ليس متدينا الا بالضرورة التي حتمت عليه الاستقواء بطائفته وعشيرته. كان حري بهم الالتفاف حول ايقونتهم، صدام لولا تجسد المجاهدين التكفيريين ومسمياتهم المتجددة بالقاعدة وداعش وما يلي بعد استباحة ارض العراق عام 2003.

انتهي لاقول، ما علينا سوى الانتظار، فالاثارة والتغيير في المشهد، وان لن يصوب قادم ولاشك.

 

17/07/2018

تدافع

 

            امطرت أخيرا في بريمن بعد موجة جفاف وطقس غير مسبوق. الا انها عادت لديدنها مقدرة لنفسها ما يبرر الكمال في أداء تفاصيلها وحركة اعمالها، بل وحتى دقات ساعتها. لا يبدو الامر مقلقا البتة بالنسبة لساكنتها، فهم على يقين بعودتها لسالف عهدها. يتنافس الالمان وينتظموا في سلاسل طوعية لبناء مقدراتهم وبُناهم، وقد لا تفلح في مجاراتها أي من الأنظمة اللاهوتية او الحزبية المعاصرة على حد سواء. بل كان لابتعاد الالمان عن كل تلك المسميات الأثر الكبير في تحييد الاختلاف وبناء فكرهم الإيجابي تفعيلا لنموذجهم العملي في الحياة.

            مارتن ابن مدينة بريمن ذو الثماني والاربعين سنة يقود اليوم للسنة التاسعة عشر على التوالي مجموعة من الشباب في أوركسترا موسيقية، احب ان يكون العالم في تمثيلها وصفة للتكامل والاجتماع. ربما يفلح في جسر المسافات والتاريخ، الا انه لن يتمكن من قصر اختلاف الملامح والسحنات. بل ولن يتمكن حتى من ان يخفف عواقب الكبت والمراوغة لمن لا يمكنه مجاراة أهدافه. فاختلاس غزوان النظر الفج لممشوقات اسكندنافيا الشقراوات واعتداء عصام العات بجميلات ليتوانيا القاصرات وتحذلق سيف مع رفيقاته الالمانيات ما ميز تصرفاتهم المريبة بردود وُسمت بالاحتقار والاستصغار. من جهة أخرى، كان لاحتكاك الفتيات بالشرقيين وقع مغر مختلف، فمع القليل من الحذر بررت الاستجابة بالتجمل اللافت وإبراز المفاتن، بل بعض من الاحتكاك السافر. الا ان مارتن  يصر رغم علمه بحوافز مشروعه المشروعة الأخرى بان لاجتماع مجاميع الشباب بتصديهم لتحدياتهم، وقع قد ينعكس ولو بنسبة صغيرة من مجتمعاتهم. بالنسبة لي، ربما تكون المقاربة مختلفة، فانا في النهاية ابحث عما يمكنني الاستفادة منه. اعترف كوني كذلك، ففي مجتمع موبوء بنصوص التقليد ابرر لنفسي في محاولاتي المتكررة بالاختلاف والدهاء سوية. من جانب اخر تكرر المؤسسات الدينية والتقليدية في الشرق الاجدب في تصديها لما يسوق المزيد من العداء والعنف، إحساسا بواقع الحقارة والبلادة المفرطة في ان. حري بي ان اتوقف هنا فانا اخشى ان اتطاول في مقالي هذا، فأفهم خطا.

            تأخذ الشباب في انطلاقهم المتدافع كل الاهواء والغرائز والانانية والتقاتل بإبراز ما تجود به دواخلهم للارتجال بعيدا عن الرتابة والالتزام نحو اقتراف المزيد من الأخطاء لتتراكم منتهية بالحاجة لدور مارتن هذا، ان يعود بمشاريعه المدعومة من الات ومقدرات دولهم حتما للمزيد من النفاق والتفسير لما قد يحتاج تبريره.

            اجزم بان ما اشهده اليوم في بريمن قد لا يختلف في مضمونه في ازمان سبقت، اذ لم تذكر الصحائف الكثير في رواياتها عن أولئك القادمين من الشرق من تأثير، خلا ربما ما حملوا معهم من توابل وحرير.

 

بريمن، المانيا في 02/10/2018

في ثورة تشرين

 

ازلت في سعيي للمدينه هذا الصباح لوحة ثبتت على مجسر للمشاة في شارع دمشق تحمل كلمات للامام الخميني "الدجال" يحث فيها شيعة "الانكليز" بذل المزيد لاستقبال مسيرات لمواطنيه من زوار الاربعينية، بعد ان تحفظ احد عناصر الامن من طلبي المحرض. احسست بعينيه تتوسلاني وشفتيه تهمس خشية. كان صباحا ملهما لي بعد ان تجرأت لارمي باللوحة جانبا وقد ازلتها في وضح النهار. لم اكن اتخيل بانني ساشهد لاحقا درسا اخرا جديدا اعظم في الجرأة والبطولة، ففي طريق عودتي مساء عايشت وثبة للاحرار لاستعادة جسرهم والتفاف لشباب اخذوا في غفلة من الافاعي زمام الامور في كرخ بغداد. فاتني ان اوثق بكامرتي ما عايشته الا انني حملت عند عودتي بعض البيض عائدا فرحا بمشاهدتي غيارى ابطال عبروا اخيرا عن حب كبير للحياة.

استهل مقالي هذه المرة بمنشوري على الفيسبوك، اذ يلازمني احساس بالعجز في استيعابي لتلك الجراة والجسارة التي جسدها شباب مابعد صدام وقد تعاظم.

ليس مثيرا ما بوسعي التكهن به او ما ستؤول اليه الامور، اذ بعد مرور اكثر من شهرين من بدأ تظاهرات استمرت وعمت العراق، كان الملفت مدى الالهام والابداع الذي عبر عنه شباب التحرير، بل وتفتق لمقدرات تحدت عقول الاسلاميين ولاغرو لتثبت مدى جهلي وابتعادي عن تفسير هول وعمق المعاناة والكبت التي واجهت شباب ساحات التحرير اليوم في تعبيرهم وحاجتهم للحرية والانعتاق. احبس دموعي كلما اشاهد واسمع ما ينشره مدونو التحرير، فقد اعطى الشباب امثولة للرقى والسمو عبر التصالح والتعالي على الخلافات بعد احتلال العراق عام 2003 فقد وأدت الطائفية اخيرا وديدن الشباب التطلع صوب حاجاتهم فجاة علهم يلحقون بركب ما فاتهم.

لنعترف، فللباعث الاقتصادي دور عظيم في الحراك، الا ان لمجاراة تحدي مجرمي السلطة دور اكبر في تصعيد وتيرة الثورة. لسوء الحظ فكلفة الصحوة في رفض ما باركه جيل ما بعد عام 2003 اضحى مكلفا، فاولائك الذين تصدوا للتكفيريين حسب ما خيل لهم عادوا ليتوسلوا ظهرانيهم عساهم يستعيدوا دعمهم وعودتهم عن خروجهم على الحاكم.

واعود للتاريخ مرة اخرى لاستذكر بمرارة ما يتكرر. فالغرب والشرق في تكالبه واستثماره في سهل الرافدين ما فتئ مرحبا به وان رفض متاخرا بعد استفحاله.

 

05/12/2019

الانا او الاعجاز

 

          لست ادعي الدراية، علي ألفت الانتباه او ربما العكس! استهل مقالي بهذا ودعونا نرى ما قد أتوصل إليه أخيرًا. قد يكون ما أتكلم عنه مطروقا ملايين المرات، إلا أن البحث عن الحكمة في إعادة الاكتشاف شيء  قد يحتاج منا إنكار ما تلقيناه من سلوكيات وتعقيدات ألفناها دون الحاجة إلى البحث عن مكنوناتها.

            كان ابن عمتي، المعماري الكبير والمعروف بتحديه مبادئ الفيزياء قد وضع مخططات دار والدي بناءً على طلبه، تلك التي أنشأها في بداية السبعينات. الا ان دارنا التي الفتها تلك لم تكن متميزة على الإطلاق. بل وقد يصل الامر الى توصيفه مضيعة للفضاءات ومواد البناء. لحسن الحظ، فقد كانت الوفرة عاملاً تلاشت امامه المنافسة وبالتالي فلا ضيق في استيعابه تلبية احتياجاتنا ولا انتقادات من قد يتجرأ. أو ربما أكون ظلمت ابن عمتي ذاك في التسليم والخضوع لعناد ومكابرة والدي.

            كنت في شبابي وربما لازلت أحاول تسجيل مشاركتي في ما اراه مذهلا ورائعا، أتوق إلى تكرار ذكره الى حد السخف والغرابة. لكن لا بأس في تلقي بعض من ردود إيجابية وإن غلفت بالمجاملة والمسايرة. ياويلي، فقد اكتشفت متاخرا ابتعادي عن الموضوعية والغلو في تعظيم الذات على حساب الهدف.   

            منذ وقت ليس ببعيد، على الرغم من كوني شريرًا، كنت أحاول التواصل مع من حولي بشكل إيجابي أو هكذا أود رؤيته هكذا أود أن أراها. أن أكون صادقا، إيجابيا، معطاء وشغوفا. بغض النظر عما يؤخرني في بعض المواقف مبررا بعدم درايتي بالعواقب أو الشعور بعدم الارتياح. الا ان ديدني كان الثقة والمضي قدما.

            توفي ابن عمتي وكذلك أبي. اما دارنا الكبيرة فقد ازيلت من أساساته في الأرض أو حور في جزئه الآخر بعد قسمة ما ورثته أنا وأخي. هل هي حياة جديدة أم أنا واعجاز مستجدين؟

 

20/12/2021

بعنوان "زيارة خاطفة للتاريخ والجغرافية"، أعودُ لمدونتي بعد انقطاعِ طويل لأوثقَ بتصرف منظوري في مكنونات وأسرار بقاء صعب.

 

من حقولٍ لا تَتَحفّظُ فيها اللقالقُ لتحطّ على أعالي كل سَنان. من بلادٍ نفضت الأرضُ عن سطحِها المبانيَ لتزيلَ ما قدّستهُ ساكنتُهُ، كاشفةً مكمنَهُ من أحجارٍ وألوانٍ، علَّ الأخيرَ يكتفي ويرتوي. من مُرُوجٍ احتارت فيه IMG-20220805-WA0008الفراشاتُ أينَ تحطّ لشدةِ تباينِ ألوانِ ازهارهِ وتنوعِ عطورهِ. من وطنٍ تسامحت فيه أمتهُ مع من اجتاحَهُ من آشوريين وساسانيين وعرب وصفويين وأتراك وروس. من أرضِ انسانٍ ألفَ روايةً سفينةً نوحٍ التي حطت على أراراتِ، الجبل ومنها للعالمِ اِنتشر. من بلدٍ قست عليه الجغرافيةُ والتاريخُ، مسايراً ومكتنفاً بالتملّصِ والتّقية.

قليلٌ من الموسيقى التقليدية الأرمنية كانت كفيلةً لتفجّرَ مكامنَ الفرحِ. اِرتفعَ صوتُ مذياعِ الترانسيستور القديمِ الذي يحملهُ أرتور معه في طريقه لقرية لشاشن الواقعةِ على خط سكةِ الحديدِ من يريفان إلى بحيرة سيفان. بحيويّةٍ تمايلت ذاتُ الأعوامِ التّسعةِ الصّغيرة على أنغامِ الموسيقى المنبعثةِ. تشجّعَ أرتور فَرفعَ الصوتَ قليلاً. إلّا أنّ والِدَتَها نهتها فقد يُعطي تجاوُبُها إشارةً خاطئةً تُفضي لما هو غيرُ متوقّعٍ. كذلك جُوبه بتبرّمِ الآخرين حوله في العربة. أخفض الصوتَ مرّة أخرى فَخبت من سيماهِهِ علاماتُ الحبورِ.

اِستجاب أرتور لنظراتي الفضوليةِ تجاهَهُ، فبادرني بابتسامةٍ غامرةٍ ملؤُها ألمُ ينزعُ لكربٍ لا يوصف. تردّدتُ كثيراً في تقديم بعضٍ من حلوى قمحِ مروجِ بلاده  ومُرَبّاها من فواكهِ مزارعِ أرضِهِ خشيةً أن يرفُضَها ويقطعَ ابتِسامَتَهُ مُكشّراً عن وجهٍ آخر. خُيّلَ اليّ أنّي أَقرأُ في تعابيرِ وجهِهِ واغرِيرَاقِ عيناهُ حزنا عميقا لخَسارتهِ ابنهُ في معاركِ ارتساخ في آب/ اوغست، 2020. معاركٌ لا طائلَ منها سوى سجلّاً لسياسيها وتكراراً لماضٍ حالكٍ متشابكٍ.

فَجأةً، ينتفضُ مُتوجّها بنظرِهِ نحوَ حِجابِ رأسِ بشرى ليعودَ إليَّ متسائلاً مرتعداً وكأنّهُ بصددِ نحرِ أحدِهم إشارةً لمذابحِ الأرمن على يدِ الأتراك إبّانَ الحربِ العالميةِ الأولى الّتي تفادى جَدُّهُ الموتَ فيها بعدَ أن هجرَ أهلُها قراهم حولَ بحيرة ڤان. كاد الأمرُ يتطوّرُ إلّا أنَّني نَفذتُ بعدَ أن تبيّنَ لهُ موقفي من ذلك. استغربتُ وبادرتُهُ كيف لكم ان تتصالحوا معَ الصّفويين، وآثارِهِم في المسجدِ الأزرقِ وسطَ العاصمةِ يريفان تشهد؟ أطرق رأسَه ريّاءً. أيُّ ذاكرةٍ انتقائيةٍ تلكَ؟

بذقنِه غيرِ الحليقِ لأيّامٍ وتغضّنِ وجنتيهِ ورائحةِ الكونياكِ المصنّعِ منزليّاً من الكرزِ والمشمشِ المنبعثةِ منهُ و بنطالِهِ الأسودِ الذي أمسى فضفاضاً وقِدمِ بدلتِهِ الزّيتونيّةِ الغامقةِ والَّتي بعدَ معالجةِ زوجتُهُ لها ما فتِئت تحملُ في طيّاتها رونقَ ماضيها. أجزمُ أنّهُ كانَ موظّفاً رفيعاً يتمتّعُ بكلِّ ما يستحقّهُ قبلَ 35 عاماً. إلّا أنّهُ اليومَ يشكو قِلّةَ الحيلةِ وتلاشي الأملِ وكأنَّ الزَّمنَ جَمُدَ منذاك. لقد توقّفتِ الحياةُ لتغزوَ الشركاتُ والاعلاناتُ كلّ ما يُحبُّ. أخرجَ من جيبِهِ ما تبقّى لَهُ من فواكهَ مجفّفةٍ منزليّةٍ أعدّتها لهُ زوجتُهُ الّتي سئمتِ الحياةَ هيَ الأخرى، ليلتهِمَها بدونِ مضغٍ.

توقّفَ القطارُ بعد تباطؤٍ في محطّةٍ أخرى، نظرَ عَبرَ النافذةِ وصارَ يلوّحُ محيّياً أطفالاً يلعبون الكرةَ.  فرحٌ غامرٌ قاطعهُ تَحرُّكُ القطارِ مجدّداً ليعودَ بسحنَتِهِ إلى تعابيرِ الوجوم والملل. رنَّ تِلِفُونُهُ المحمولُ. إلّا أنّهُ رفضَ المكالمةَ، إنّها زوجَتُهُ، كلُّ ما تبقّى لَهُ من الماضي. مسافرةٌ على معرفَةٍ بهِ نبّهتهُ للتّهيّء للنّزولِ في المحطّةِ القادمةِ. أومأ إليها محتجّاً. إلّا أنّهُ استجابَ ونزلَ عودةً إلى زوجَتِهِ، ملاذهِ الأخيرِ بعدَ أن توقّفَ القطارُ متثاقلاً.

تحرّكَ القطارُمرّةً اخرى بعدَ أن أصدرَ كلما أمكنَهُ من ضجيجٍ. من بعيدٍ يُلَوّحُ مُزارِعٌ التقطَ انفاسَهُ لتحيّةِ القطارِ المارِّ كمن يودّعُ حبيبَتَهُ لتعود. لم يستجب أيٌّ من ركّابِ القطارِ الذي استقللناهُ في طريقِنا إلى بحيرة سيفان قادمين من العاصمةِ يريفان لقضاءِ يومٍ آخر.  

 

من داخل القطار المتوجه لبحيرة سيفان من يرفان 05/08/2022

 

لمطالعة المقال في نشرة جمعية القاهرة الخيرية الارمنية العامة غير الدورية "اريك": https://agbuegypt.com/wp-content/uploads/2022/09/%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%A9-%D8%A3%D8%B1%D9%8A%D9%83-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D8%AF-89-%D9%8A%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%A9-2022.pdf

 

  قل رأيك

Back to image001